شبكة قدس الإخبارية

قصة يفعات توما يروشالمي: كيف انهارت المرأة القوية في جيش الاحتلال؟ 

43f67056-b149-4269-985a-cab573126edf

ترجمة خاصة - شبكة قُدس: اعتبرت وسائل إعلام عبرية أن المدعية العسكرية العامة السابقة في جيش الاحتلال، اللواء يفعات توما–يروشالمي، التي عُثر عليها مساء الأحد سالمة بعد اختفائها لساعات في منطقة هرتسيليا، ما تزال في قلب عاصفة هزّت المنظومة القانونية والعسكرية الإسرائيلية وتهدد بالامتداد إلى الجهاز القضائي المدني أيضًا.

تأتي هذه التطورات بعد تفجر “قضية قاعدة شدي تيمان” مجددًا، حيث قدّمت توما–يروشالمي استقالتها يوم الجمعة الماضي بعدما اعترفت بأنها سمحت بتسريب مقطع مصوّر من داخل القاعدة يُظهر جنودًا يعتدون على أسير فلسطيني، مدعية أنها فعلت ذلك “لدحض الدعاية الكاذبة” ضد النيابة العسكرية في جيش الاحتلال. هذه الخطوة أنهت مسيرة ضابطـة كانت أول امرأة تتولى منصب المدعية العسكرية العامة في جيش الاحتلال، وثاني امرأة في تاريخه تصل إلى رتبة لواء.

وُلدت توما–يروشالمي عام 1974 في مستوطنة نتانيا، وانضمت إلى جيش الاحتلال عام 1996 بعد إنهائها دراسة القانون بتفوّق. خلال خدمتها، شغلت سلسلة من المناصب البارزة داخل النيابة العسكرية، منها مساعدة للمدعي العسكري العام ورئيسة قسم التشريع والإشراف القانوني. كما نالت درجتين في القانون من جامعتي تل أبيب ومن كلية القانون العسكري التابعة للجيش الأميركي في فيرجينيا، قبل أن تُعيَّن عام 2021 مدعيةً عسكرية عامة بقرار من وزير الحرب آنذاك بيني غانتس، بناءً على توصية رئيس الأركان السابق أفيف كوخافي.

بدأت قضيتها في يوليو/تموز 2024 عندما تم الكشف عن اعتداء جنود احتياط من وحدة 100 على أسير فلسطيني داخل معسكر "سديه تيمان" جنوب بئر السبع، الذي حُوِّل بعد اندلاع الحرب على غزة إلى مركز اعتقال مؤقت لمواطنين من القطاع.

ووفق لائحة الاتهام المقدمة ضد خمسة جنود بينهم ضابطان، فقد قام الجنود بركل الأسير، وسحبه على الأرض، وإطلاق صعقات كهربائية عليه في الرأس وهو مقيّد ومعصوب العينين. لاحقًا بثّت قناة “كيشت 12” العبرية مقطعًا مصوّرًا من داخل القاعدة، ما أثار ضجة واسعة ودفع عائلات لجنود قتلى إلى المطالبة بالكشف عن الجهة التي سرّبت المقطع بدعوى أنها “عرّضت حياة الجنود للخطر وأضرت بصورة إسرائيل”.

تحقيقات لاحقة كشفت أن التسريب تمّ من داخل المؤسسة العسكرية نفسها، وتحديدًا من دائرة النيابة العسكرية التي كانت توما–يروشالمي ترأسها. وقد أقرّت الأخيرة في نهاية المطاف بأنها سمحت بالتسريب ردًّا على ما وصفته “بحملة تشويه” استهدفتها. إلا أن المستشار القانوني لحكومة الاحتلال الإسرائيلية، غالي بهراف ميارا، أعلنت فتح تحقيق جنائي ضدها، لتخرج بعدها توما–يروشالمي في إجازة قبل أن تُقَال رسميًا من منصبها.

وزير الحرب في حكومة الاحتلال، يسرائيل كاتس، أعلن قبل ساعات من استقالتها أنه سيعمل على “سحب رتبها” ومعاقبتها، متهمًا إياها بأنها “فضّلت مصلحة الأسرى الفلسطينيين على مصلحة جنود الجيش”. لكن معارضين داخل المنظومة القانونية ردّوا بالقول إن الملف القضائي يثبت تورط الجنود في التعذيب وأن التسجيل المسرّب لم يكن مفبركًا بل يوثّق مشاهد حقيقية من التحقيق مع الأسير.

من جهته، اتهم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو المدعية السابقة بأنها تسببت في “كارثة دعائية” هي “الأخطر في تاريخ إسرائيل”، معتبراً أن تسريب الفيديو ألحق ضررًا بالغًا بصورة الجيش في العالم، وداعيًا إلى تحقيق مستقل “غير خاضع للمؤسسة العسكرية”.

تواجه توما–يروشالمي الآن شبهات بتضليل القضاء وتسريب مواد سرية من داخل الجيش، وربما الإدلاء بإفادات كاذبة أمام المحكمة العليا للاحتلال. وكانت تستعد للاستجواب هذا الأسبوع قبل أن تختفي لساعات يوم الأحد، تاركة رسالة قصيرة لعائلتها جاء فيها: “لا تنظروا إلى الوراء”. عُثر على سيارتها مركونة قرب شاطئ هرتسيليا، ما أثار مخاوف من محاولة انتحار، قبل أن يتم العثور عليها سالمة بعد أن تواصلت مع زوجها عبر هاتف ليس ملكها.

لكن اختفاء هاتفها الشخصي الذي يحتوي على مراسلات حساسة مع مسؤولي النيابة العسكرية يثير شبهات حول احتمال محو أدلة مرتبطة بالتسريب، ما قد يرقى إلى شبهة “عرقلة سير العدالة”. وقد أُعلن لاحقًا عن نقلها إلى سجن "نفيه ترتسا" للنساء ووضعها في جناح منعزل إلى حين استكمال التحقيق.

منذ تفجّر القضية، تتعرض توما–يروشالمي لحملة تحريض غير مسبوقة على شبكات التواصل، يقودها وزراء من اليمين المتطرف لدى الاحتلال وأنصارهم، وبلغت حد الدعوات إلى إعدامها بتهمة “الخيانة”. مقابل ذلك، عبّرت جاراتها وصديقاتها عن تضامنهن معها، مؤكدات أنها “شخصية أخلاقية دفعت ثمن ضغط سياسي وإعلامي لا يُحتمل”.

وقالت إحدى جاراتها للإعلام العبري: “منذ عام ونصف وهم يلاحقونها بالإهانات أمام منزلها، والآن دمّروها تمامًا. حتى لو أخطأت، فهي إنسانة صادقة ستُحاسب قضائيًا. لا أحد يستحق ما مرت به.”

هكذا تحولت توما–يروشالمي، التي كانت تُقدَّم سابقًا كنموذج “للمرأة القوية في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية”، إلى رمز لأزمة عميقة تضرب جهاز القضاء العسكري بين ضغوط السياسة وتصدّع الثقة الداخلية، في ظلّ حرب مفتوحة على غزة وانهيار متزايد في صورة “الجيش الأخلاقي” التي طالما روّجت لها دولة الاحتلال.